عندما واجه جنود روما أبو الهول لأول مرة، نظروا إلى هيكله القديم الذي كان بالفعل أكبر من أنقاض الإمبراطورية الرومانية القديمة اليوم وأثار دهشتهم وقد صاغوا أسئلة ربما ظلت لأكثر من ألفي عام بلا إجابة إلى حد كبير، ماذا كان هذا التمثال ومن بناه ولماذا تم بناؤه، وربما الرأس الكبير التي ظهرت أمامهم أضافت الكثير من الغموض.
لقد ترك تمثال أبو الهول دومًا الكثير من الإنطباعات منذ إعادة اكتشافه وحاول علماء الآثار والمستكشفون والمؤرخون والسياح فهم الغرض منه وشرحه وفهم معناه بالنسبة لأولئك الذين قاموا ببنائه، ومع كل ذلك لايزال من بين القطع الأثرية الأكثر غموضا في العالم القديم، وفي هذا المقال نوضح بعض أسرار أبو الهول، الأسد الأبدي للصحراء المصرية والحارس الصامت للأهرامات.
من بنى تمثال أبو الهول ؟
تغيرت الإجابة عن هذا السؤال بشكل متكرر على مر القرون، فلا أحد يعرف وقد ازدهرت النظريات، مع وجهات نظر مختلفة كلها قدمت على أساس العلم والدين، ويعتقد البعض أن التمثال يسبق الأهرامات المجاورة بينما يفترض البعض الآخر أنه تمت إضافته لاحقًا واليوم يكون الإجماع على أن وجه التمثال يمثل الفرعون خفرع على الرغم من أن البعض يصرّون على أن الصور المعروفة سابقًا لخفرع لا تشبه إلا القليل على وجه التمثال.
ويعتبر خفرع منشئ الهرم الثاني في الجيزة، ويعتبر أبو الهول جزء من المجمع الشامل الذي تم بناؤه باعتباره جنائزي واعترض علماء المصريات الآخرون في الأعوام الماضية على مساهمة خفرع في بنائه، مدعين أنه سبق حكمه بقرون فمن الصعب تحديد تاريخ البناء بدقة، حيث لا توجد إشارات إلى التمثال في أي وثائق معاصرة تم اكتشافها حتى الآن.
كيف تم بناء أبو الهول ؟
أبو الهول، خلافا للإعتقاد الشائع، لم يتم بناءه ولكن تم نحته، فتم حفره من صخرة المحجر والتي وفرت أيضا كتل من الحجر الجيري لبناء الأهرامات القريبة والمعابد والجسور التي تحيط بهم وظهرت الصخور في طبقات، مع تقديم كل طبقة صفات مختلفة فيما يتعلق بمقاومة التآكل وتدمير الزمن ولكن كيف تم نحته، يبقي هذا السؤال موضوع نقاش، حيث قال البعض أنه قد يكون تم نحته بالمطرقة والإزميل أو أنه تم ملئه بالماء، ولكن إذا تم استخدام المياه فما هو مصدرها، هناك الكثير يعتقد أنه كان هناك وادي وتحول الآن إلى صحراء قاحلة، حيث حدث تأكل للتمثال نتيجة لمياه الأمطار، ولكن النظرية التي تقول أن الأمطار الغزيرة قد ألحقت أضرارا بالتمثال تعزز الحجة القائلة بأنه يسبق زمن خفرع الذي كانت المنطقة في عهده قاحلة.
كيف تم استخدام أبو الهول في مصر القديمة ؟
مع مرور الوقت، وفقا للخبراء تغيرت أهمية واستخدام أبو الهول في مصر القديمة وكان الأسد رمزيًا للشمس وبالتالي يُعتقد أن التمثال كان يستخدم للعبادة الشمسية قبل المسيح بأكثر من 2500 عام وبعد مرور ألف عام كان التمثال مرتبطًا بعبادة الإله هارماخيس وهو إله آخر للشمس وكان أبو الهول يبلغ من العمر ألف عام على الأقل عندما تم بناء معبد للإله هارماخيس، وكان الكنعانيين يؤمنون أن أبو الهول يشير إلى الإله حورون، أحد الآلهة اللذين كانا يسيطران على أمراء العالم السفلي.
لماذا تم تخريب أبو الهول في العصور القديمة ؟
من السمات المعروفة إلى حد ما لأبو الهول هي أن الرأس الهائل يفتقر إلى الأنف، ولقرون عديدة كان من المفترض أن ميزة الوجه قد سقطت في ويلات الصحراء، ومع الوقت، وبعبارة أخرى، سقطت ببساطة عن وجهه وكان من المفترض أن المصير نفسه قد لحق باللحية التي كانت تزين ذقن التمثال وهناك أسطورة تطورت في القرن التاسع عشر أن قذيفة مدفعية أطلقتها قوات نابليون خلال معركة الأهرامات دمرت الأنف، وفي الواقع، كشفت الأبحاث الأثرية اللاحقة أن الأنف قد أزيل عن عمد إما باستخدام قضبان طويلة أو غيرها من الأدوات المصممة لهذا الغرض.
هل الجزء الإنساني من تمثال أبو الهول رجل أم امرأة ؟
وجود لحية تزين ذقن رأس التمثال الضخم من شأنه أن يقود أحد المراقبين إلى افتراض أنه يصور رأس رجل لكن ابتداءً من القرن الخامس عشر الميلادي وحتى القرن التاسع عشر كان الزوار يصفون التمثال بانتظام على أنه يصور رأس امرأة وجسمها العلوي ممزوجًا بجسم أسد وانعكس وصف التمثال على أنه وصف للمرأة في شكل مكتوب وفي الرسومات واللوحات الفنية للفنانين الغربيين وتم وصف أبو الهول بأنه كان لديه ثدي وعنق امرأة، وكذلك وجه امرأة وتشير آثار التلوين التي تبقى حول عيني التمثال والوجه السفلي إلى أن التمثال قدم في وقت من الأوقات مرحا متعدد الألوان، مثل صورة امرأة تضع مكياجًا ثقيلًا.
من هم الأنوناكي، وهل قاموا ببناء أبو الهول ؟
كان الأنوناكي آلهة المعبد للسومريين القدماء وهم أشخاص تجاريون سجلوا أنشطتهم في أشكال مسمارية، وهم من أعطوا التاريخ من بين أمور أخرى فترة الأربع وعشرين ساعة المعروفة باسم يوم واحد، وقسموه إلى فترات كل منها ستين دقيقة وكمجتمع زراعي تركوا أيضًا طريقة للحفاظ على الحبوب للاستهلاك بشكل سائل، وهو مشروب نعرفه اليوم باسم البيرة ووفقًا لإيمانهم بالزوار القدامى من العوالم الغريبة، يقال أن الأنوناكي قاموا ببناء أبو الهول وكذلك الأهرامات المتمركزة في الجيزة كميناء للزائرين الآخرين.
كيف نجا أبو الهول لعدة آلاف من السنين ؟
ليس سراً أن الجزء الخاص بأبو الهول الذي واجه صعوبة أكبر في تجاوز مرور الوقت هو الرأس والجذع العلوي وهناك تفسير بسيط لهذا اللغز الظاهر حيث أنه قد تم دفن معظم التمثال في معظم وجوده تحت رمال الصحراء التي ملأت المحجر الذي نحتت فيه وقبل غمره كان هناك دليل على التآكل ويذكر الأفتراض بأن الماء كان يؤدي إلى تآكل التمثال وتمت حماية النحت من خلال تغطية المناطق المتضررة بكتل من الحجر الجيري والحجر الرملي، وأثناء أعمال التنقيب في عام 2010 تم اكتشاف جدار يحيط بالكثير من التمثال وهو مبني من الطوب الطيني والذي يمتد لأكثر من 400 قدم حول تمثال أبو الهول وتم تحديد أنه تم تصميمه ليكون بمثابة مصدات للرياح.
هل يمكن لأبو الهول أن ينجو من القرن الحادي والعشرين ؟
الإنسان الحديث يدمر أبو الهول وأكبر سبب منفرد هو تلوث الهواء المنبعث من مدينة القاهرة، وكذلك الرياح العاتية والرطوبة، وكلاهما في ازدياد وتغير المناخ هو أيضًا عامل مساهم، ومنذ عام 1950 ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن بدأت الجهود المنظمة لإنقاذ التمثال ولكنهم فشلوا وتم العثور على الخرسانة المستخدمة لتعزيز التمثال غير متوافقة مع الحجر الأصلي وهذا تسبب في أضرار كثيرة للتمثال، كما أن الحقن الكيميائية لمساعدة الحجر على مقاومة آثار التلوث الحديث فشلت أيضًا وتم إضافة كتل الحجر الجيري إضافية لتعزيز الحجر لكنها لم تتمكن من منع مزيد من تآكل الهيكل الأصلي.
وبحلول الثمانينات من القرن الماضي كانت أجزاء من الكتف الأيسر تنهار وفشلوا أيضًا في محاولات إعادة ربطها أو استبدالها ببدائل حديثة والهيكل ينهار بشكل سيء للغاية، والآن يقومون بالتركيز على إنقاذ ما تبقى قبل فوات الأوان والمجلس الأعلى للآثار المصري مسؤول عن حماية الهيكل الضخم وإنقاذه، ونأمل أن يكون أقدم بقايا العالم القديم، وكذلك الأكبر.